“عم مصطفى” 60 سنة حلاقة بمعدات تاريخية في محلة العتيق بالإسكندرية.. والأطفال ممنوعون من الاقتراب

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!


في أحد شوارع العطارين العتيقة بالإسكندرية، مرت عقود من الزمان، ولا زالت مبانيها تطل على أحد المحال، ليس كسواه، فأثاثه كساه غبار السنين، ومراياه شاخت كصاحبها، فبالكاد تستطيع عكس صورتك، وحُليّه “موس حلاقة” كنت تشاهده عبر التلفاز في الأفلام القديمة، فرشاة وعبوات من مستحضرات العناية بالشعر من عمرٍ مضى، راديو يفوق عمره عمر مالكه، وعم “مصطفى” جالسًا على مقعده الخشبي أمام بوابته الزجاجية ينتظر زبائنه.

60 عامًا مرت ولا يزال عم مصطفى الحلاق يمارس مهنته التي ورثها عن أبيه، تعلم أصولها، مسك المقص، الفرشاة والموس، يقص شعر هذا ويهذب ذقن ذاك ويحف شوارب هؤلاء، فتمكن من مهنته واستمر في ممارستها إلى يومنا هذا بنفس النهج والأدوات.

يقول عم مصطفى لـ “أهل مصر” أن والده كان يعمل حلاقًا في نفس المحل الذي ورثه عنه، وأنه تعلم الحرفة منه حتى أحبها وامتهنها إلى يومنا هذا.

يستخدم عم مصطفى أدوات بدائية، ولكن ليتمكن من مواكبة العصر الحديث فهو يستخدم ماكينة الحلاقة لمن يطلبها، ولكن لا غنى عن المقص والموس.

من وجهة نظر عم مصطفى فمهنة الحلاقة لم تتغير ولكن طبائع الزبائن اختلفت، فالكثيرين منهم لم يعد يطيق التحمل والانتظار، ولأن أدواته بدائية فإن الشباب يعزف عن الحلاقة بها ويستعيضونها بالأدوات الحديثة ومستحضرات العناية بالشعر والبشرة التي يستخدمها أصحاب الصالونات الحديثة ويضيفون أسعارها على سعر الحلاقة، بحسب مصطفى، الذي لم يكن لديه استعداد لاستخدام كل تلك المستحضرات، فيحصل في المقابل على أجرٍ زهيد مقارنة بالآخرين “واهي ماشية”ـ على حد تعبيره.

لدى عم مصطفى ابن واحد ولكنه لم يرث مهنة أباه وجده، وبذلك سيظل صالون الحلاقة محتفظًا بشكله وطابعه القديم، وهو ما يتناسب مع زبائنه من كبار السن الذين ما زالوا يلجأون إليه عند الحاجة، أما الأطفال فهم ممنوعون من زيارة صالون الحاج مصطفى بأمرٍ منه، إلا المقربون من أفراد العائلة والأصدقاء، فاستخدامه لأدوات يدوية كالموس، مع عدم إمكانية السيطرة عليهم في هذه السن المبكرة قد يعرضهم للإصابة وهو ما يسعى لأن ينأى بهم وبنفسه عنه.

في المحل يوجد كرسي حلاقة قديم، استحدثه عم مصطفى بعد تلف سابقه الخشبي النادر الوجود الآن، عبوات شامبو وكريمات قديمة، فضلاً عن الحوض والصنبور المرفق به، والذي يمتاز بخامته النحاسية، كما أنه يتحول إلى “دش” عند تحويله للأسفل، وهو من القطع النادرة في وقتنا الحالي.

صالون حلاقة عم مصطفى كان جاذبًا للسياح، فالكثيرين منهم كانوا يلتقطون له الصور التذكارية، وبعضهم أرسل له نسخ منها عبر صندوق البريد.

يحصل الحلاقون في مصر على معاشات، وكذلك عم مصطفى، ولكنهم ليس لديهم نقابة ولكن توجد شعبة لمصففي الشعر في الغرفة التجارية للتحدث باسمهم، يقول عم مصطفى أنه الناس قديمًا كانت تقول “فلان رايح يعمر” أي “يحلق”.

ليس فقط التمسك بالماضي السبب الوحيد لنمط عم مصطفى في الحلاقة، ولكن أيضًا كبر سنه ورعشة يداه سببًا آخر والتكلفة الباهظة للمعدات يقف معها الكثيرون مكتوفي الأيدي.



‫0 تعليق

اترك تعليقاً